
#قصص_قصيرة_2025 : مكالمة في ليلة ممطرة
في ليلة ممطرة ، تتلقى جوليا مكالمة هاتفية من شخص غريب يحذرها
من خطر،تكشف المكالمة سرًا خطيرًا يهدد حياتها و يقلبها
رأسًا على عقب، قصة مشوقة مليئة بالرعب والغموض.
***
اقرا ايضا#قصص_قصيرة_2025 : وجع القلب
اقرا ايضا#قصص_قصيرة_2025 : المطاردة القاتلة
مساء ممطر ، يزمجر الرعد في البعيد بينما يطرق المطر بثبات
على نافذة شقة متواضعة ، يلقي الضوء الخافت بظلال طويلة مضطربة عبر الغرفة.
يتسرب وميض خافت من مصباح شارع قريب من خلال الستائر مما يضيف
توهجًا حزينًا إلى المكان ، يرن هاتف أرضي ، حاد ومزعج ، يقطع نمط المطر المحيط.
تجلس جوليا على أريكتها البالية مع كتاب نصف مقروء على حجرها، تتصلب ،
تلقي نظرة على الهاتف، ينبض قلبها عند الصوت غير المتوقع وكأنه
لا يتناسب مع أمسيتها الهادئة ، بعد تردد لحظة، تلتقطه.
- جوليا : مرحبا ؟
يصدر الخط صوتًا خافتًا، يتبعه توقف طويل حتى يبدو الأمر ساكنًا ، ثم يتحدث صوت هادئ ومتعمد.
- الغريب : هل هذا 222-7254 ؟
- جوليا : نعم، من هذا ؟
يحمل الصوت ثقلاً يجعلها تجلس بشكل أكثر استقامة.
- الغريب : أنتي لا تعرفيني، لكن يجب أن أتحدث إليك.
تقطب جوليا جبينها، وتشد قبضتها على السماعة ، تلمس يدها
الحرة بشكل غريزي حافة كتابها فتشعر وكأنها تعيش لحظة غير واقعية.
تتجه عيناها بسرعة إلى النافذة المرقطة بالمطر بحثًا عن سبب وسياق لترسيخ التبادل الغريب.
- جوليا : أعتقد أن الرقم لديك خاطئ .
- الغريب : لا، جوليا ، لا أعتقد ذلك.
يضربها اسمها كصفعة حادة، مما يتسبب في توقف أنفاسها ، تزعجها
نبرة صوت الغريبة الهادئة الثابتة ، تسري قشعريرة في عمودها الفقري
وهي تنظر حول الشقة الصغيرة ، تبدو زوايا الغرفة أكثر قتامة الآن
مع امتداد الظلال مثل خيوط الشجر تجاهها.
- جوليا : (توقف) كيف تعرف اسمي؟
- الغريب : هذا ليس مهمًا ، ما يهم هو أن تستمعي إليّ ، أنتي لست بأمان .
تتسارع أفكارها وتتدفق آلاف التفسيرات كل منها أكثر استحالة من سابقتها ،
يرتجف صوتها رغم أنها تفرض نبرة حازمة على صوتها.
- جوليا : (بشكل حاد) عذرا؟
تشتد قبضتها على السماعة وتتحول مفاصلها إلى اللون الأبيض وتكشف
ارتعاشة لا إرادية تحت سطحها عن مظهر السيطرة الذي تحاول إظهاره.
- الغريب : من فضلك ، استمعي فقط ، ليس هناك وقت لشرح كل شيء و
يجب عليك مغادرة شقتك الآن ، لا تحزم حقيبتك ؛ لا تضيعي ثانية واحدة ، فقط اذهبي .
تومض جوليا بعينيها ويدرك عقلها مدى عبثية الأمر فتطلق ضحكة عصبية
رغم أنها تبدو جوفاء حتى في أذنيها.
- جوليا : حسنًا، بجدية من دفعك إلى القيام بهذا؟ هل كانت كاميلا ؟
إنها دائمًا تفعل هذا النوع من ...
- الغريب : هذه ليست مزحة، جوليا .
يخترق الصوت انحرافها بحدة حادة ، يندفع الرعد بالخارج و يهز النوافذ ويخفي
صوت شهيقها الحاد ، تقف جوليا غريزيًا ويسقط الكتاب من حضنها.
تضغط قدميها العاريتين على الأرضية الصلبة الباردة مما
يعيدها إلى الأرض مرة أخرى في تلك اللحظة السريالية.
- جوليا : (صوت مرتفع) أنا لا أعرف من أنت، ولكن ...
- الغريب : (مقاطعًا) انظري من نافذتك.
تتسارع دقات قلبها ، تتردد وتمسك بالسماعة وكأنها الشيء الوحيد الذي
يربطها بالواقع ، تتحرك ببطء نحو النافذة ويدها ترتجف وهي تسحب الستائر ،
الشارع بالأسفل غارق في المطر لكن عينيها تهبطان على الفور على
رجلان يقفان في الجهة المقابلة من الشارع ، بلا حراك تحت ضوء
مصباح الشارع الخافت ، وجههما محجوبان بغطاء للرأس ، وظلهما ثابت بشكل مقلق ،
تتقطع أنفاس جوليا عندما يميل الشخص برأسه، وكأنها تدرك أنه يراقبها.
- الغريب : الآن، هل تصدقيني الان ؟
تتعثر جوليا في طريقها إلى الخلف من النافذة، وقلبها ينبض بقوة ،
يرتجف السماعة في يدها؛ صوتها أجش.
- جوليا : من هذا؟
الغريب : شخص لا ينبغي أن يكون هنا ، ارحلي الآن.
تلقي جوليا نظرة نحو باب شقتها وعقلها يدور بالأسئلة ،
تبدو الظلال في الغرفة أعمق وتضغط عليها ، تشعر بثقل
كلمات الغريب ؛ فالإلحاح واضح لا لبس فيه ،
تصرخ غرائزها في طلب التحرك، لكن الخوف يقيدها في مكانها.
يقطع الصوت محاولتها لإضفاء روح الفكاهة، فجأة وحاد ، فيجمد جملتها في منتصفها.
- الغريب : لن أتصل لو لم يكن الأمر خطيرًا.
- جوليا : (بصوت حاد) أنا لا أعرف حتى من أنت ، لماذا أثق في أي شيء تقوله؟
- الغريب : لقد كنت أراقب وأعرف عن السيارة السوداء المتوقفة في الطرف الآخر من الشارع.
تصاب مشاعر جوليا بالخدر ، ففي وقت سابق ، لم تكن قد لاحظت السيارة تقريبًا،
ونسبتها إلى زائر جارها أو شخص يحتمي من المطر ، والآن، تزداد ذكريات وجودها حدة،
وترتجف يداها وهي تتجه نحو النافذة وينخفض صوتها إلى همسة
- جوليا : كيف علمت ...
- الغريب : لقد كانا هناك لساعات، أليس كذلك؟ رجلان داخل السيارة ،
إنهما ينتظران شيئًا أو شخصًا ما.
تثقل كلمات الغريب كاهلها، مما يجعلها تتردد ، ببطء تمد يدها إلى الستارة،
وتسحبها للخلف بما يكفي لرؤية ما يحدث ، ينبض قلبها بقوة عندما تركز ب
صرها على السيارة السوداء الأنيقة المتوقفة أسفل مصباح الشارع الخافت ،
يتساقط المطر من غطاء محرك السيارة والنوافذ المظلمة مثل المرايا، لا تكشف
شيئًا عما يكمن في الداخل ، تحبس أنفاسها في حلقها،
ويرتجف صوتها وهي تحاول إخراج السؤال.
- جوليا : (صوتها يرتجف) من هم ؟
- الغريب : ليسوا أصدقاء ، هذا كل ما تحتاجين إلى معرفته.
تتلوى معدتها، ويبدأ عقلها في محاولة فهم الموقف ، تنظر إلى السيارة وكأنها
ستظل تحدق فيها لفترة كافية لتكشف عن دليل على وجودهم ،
إن فكرة أن تكون هدفًا للمراقبة تخدش عقلها.
- جوليا : (بهمس أجش) لماذا يراقبونني ؟
- الغريب : لديك شيء يريدونه أو ربما شخص تعرفيه يريدونه ،
لا يهم ، ينظر إليك الناس باعتبارك شخصية منعزلة.
تتشوش رؤيتها بسبب الذعر المتزايد ، تبتعد عن النافذة وتمسك بيدها
الستارة وكأنها الشيء الوحيد الذي يبقيها منتصبة ، تتجول عيناها في الشقة
وتفحص الفوضى المألوفة - سترتها المعلقة فوق كرسي وكومة من البريد
غير المفتوح على طاولة المطبخ وكأس النبيذ نصف الفارغ على الطاولة
كما لو أن الإجابة قد تكون مختبئة هناك ، لكن لا شيء منطقي.
- جوليا : (محمومة) لا أفهم ، أنا مجرد مديرة مكتب ، لا ....
- الغريب : (مقاطعًا، حازمًا) جوليا ، ركزي ، أنت تضيعين الوقت ، غادري الآن ،
استخدمي سلم الحريق ، لا تستخدمي الباب الأمامي.
تدور رأسها ؛ فكرة الفرار تسيطر على حواسها ، تتساقط قطرات المطر
على النافذة، وتتوافق مع دقات قلبها المحمومة ، تتعثر في طريقها نحو الأريكة ،
وتلتقط هاتفها ومفاتيحها، ويرتفع صوتها في نداء يائس.
- جوليا : (تهز رأسها) و اذهب إلى أين؟
- الغريب : أي مكان آخر غير هذا المكان ، اتجهي نحو
محطة القطار ، لا تتوقفي إلا عندما تكوني في مكان مزدحم.
تتجمد في مكانها، تمسك بالهاتف بقوة وتتحول مفاصلها إلى اللون الأبيض ،
ينخفض صوتها إلى همس وتهدد الدموع بالتساقط.
- جوليا : (مختنقة) لا أعرف إذا كان بإمكاني أن أثق بك.
[ يصمت الغريب لبرهة، ولكن عندما يعود الصوت،
يكون أكثر برودة وصرامة، تحذيرًا ممزوجًا بالإلحاح ]
- الغريب : ليس عليك أن تثقي بي ولكن إذا بقيتي فسوف يدخلون ولن يطرقوا الباب.
لقد أثرت هذه الكلمات عليها بشدة ، سرت موجة جديدة من الخوف في جسدها
عندما سمع صوتًا يخترق المطر - صوت باب سيارة بعيدة ينغلق ،
توقف تنفس جوليا ، استدارت إلى النافذة وسحبت الستارة جانبًا
بما يكفي لرؤية شخصية غامضة تخرج من السيارة السوداء ،
تبعها شخصية أخرى ، كانت تحركاتهما متعمدة ومتزامنة ،
قام أحد الشخصيات بتعديل معطفه و بلحظة عابرة لاحظت وميض شيء معدني بجانبهما.
- الغريب : (بسرعة) جوليا ، اذهبي الآن.
تضيق أنفاسها في حلقها ، ينزلق الهاتف من يدها ويصطدم بالطاولة
بينما يسيطر الأدرينالين عليها ، تسرع نحو النافذة المؤدية إلى
مخرج الحريق وتتحسس مزلاج الباب ، يهسهس المطر على الزجاج
ويزداد صوت همهمة خافتة من الشارع ، تتجمد في مكانها عندما يتردد صدى
طرق حاد على الباب الأمامي ، إنه صاخب وحازم ونهائي ،
يتردد صدى الصوت في الشقة مثل العد التنازلي.
- الغريب : لا تنظري إلى الوراء ، فقط اركضي .
تشتد الأمطار في الخارج وتضرب بقوة النافذة وكأنها
تحثها على التصرف ، تقف جوليا مشلولة وقدماها ملتصقتان بالأرض
وعقلها محاصر بين عدم التصديق وثقل الخوف الخانق.
- جوليا : (تشعر بالذعر، وتلتقط الهاتف) انتظر ، أحتاج إلى
أكثر من هذا ، أحتاج إلى إجابات ! من أنت ؟ كيف عرفت كل هذا ؟
هناك فترة توقف طويلة على الطرف الآخر؛ الصمت عميق لدرجة
أنها تستطيع سماع أنفاسها المرتعشة ، عندما يعود الصوت
يكون أكثر هدوءًا، ويكاد يكون نادمًا.
- الغريب : شخص مدين لك بدين كبير.
- جوليا : (مرتبكة) دين ؟ أنا لا أعرفك حتى.
- الغريب : أنتي لا تتذكرين ، لكنك أنقذت حياتي ذات مرة ، والآن أنا أنقذ حياتك.
تدور أفكارها وتصطدم الذكريات في ذهنها مثل الزجاج المحطم ،
تومض شظايا الماضي أمامها - أفعال صغيرة من اللطف وتفاعلات
عابرة مع غرباء ولكن بعد ذلك تبرز لحظة واحدة ، قبل سنوات
أخرجت رجلاً مصابًا من سيارة محطمة في ليلة ممطرة مثل هذه ،
طعم الدم المعدني وصوت أنفاسه اليائسة ويديه المرتعشتين
تضغطان على جرحه حتى وصل المسعفون ، وجهه الشاحب والنازف يسبح في التركيز في ذهنها.
- جوليا : (صوت مرتجف) هل يتعلق الأمر بحادث السيارة ؟ هل كنت...
- الغريب : (بحزم) ليس هناك وقت للأسئلة ، اذهبي الآن جوليا ،
سأتصل بك مرة أخرى عندما يكون الأمر آمنًا.
يرن الهاتف وينقطع الخط ويظل صوت النهاية في أذنيها.
تقف جوليا متجمدة والسماعة لا تزال مضغوطة على أذنها ومفاصلها بيضاء ،
ترتجف عندما يهز صوت الرعد النوافذ ، تخفض الهاتف ببطء وتتجه عيناها
إلى النافذة ، تظل السيارة السوداء بلا حراك ولكن الآن يتوهج بوهج خافت
من سيجارة في الداخل ، يضيق صدرها وهي تحدق في الجمرة الصغيرة، منارة مشؤومة في الظلام.
- جوليا : (لنفسها، تهمس) ماذا يحدث بحق الجحيم؟
فجأة يكسر صرير خافت قادم من الردهة الصمت ، يقفز قلبها إلى حلقها و
تلتقط أنفاسها ، تدور باتجاه الصوت وعيناها متسعتان وتبحثان.
يمكن أن يكون الضجيج أي شيء - المبنى القديم يستقر أو أحد الجيران ....
لكنه الآن يبدو وكأنه تحذير ، تنتصب شعر ذراعيها وتسيطر عليها الغريزة.
تلتقط سترتها ومفاتيحها من الأريكة وتتحرك بسرعة وبطء ، ودون تفكير
تتحرك نحو النافذة ، يضرب المطر الزجاج بقوة ويصدمها لمسه الجليدي
وهي تجبر الإطار العنيد على فتحه ، يلوح مخرج
الحريق في الخارج وهو طريق زلق لامع إلى العاصفة.
أثناء صعودها غمرها المطر البارد على الفور ولصق شعرها بوجهها ،
كان المعدن تحت قدميها خطيرًا وكل خطوة كانت بمثابة مقامرة ،
تمسكت بالسور بإحكام وكانت مفاصلها تؤلمها وهي تنزل.
تحتها، فجأة تنطلق السيارة السوداء ، تضاء المصابيح الأمامية للسيارة،
وتشق طريقها وسط المطر الغزير ، تلتقط جوليا أنفاسها ، يُغلق الباب
بقوة ويخرج منه شخص طويل القامة وغامض ،
كانت تحركاتهم هادفة وغير مستعجلة ، لا تنتظر جوليا المزيد.
تركض وتنزلق قدماها على سلم الطوارئ الزلق عندما تصل إلى الأرض ،
يغشي المطر رؤيتها، كل قطرة مثل إبرة على جلدها ، أنفاسها متقطعة ونبضها ينبض في أذنيها.
خلفها يتردد صدى صوت خطوات الأقدام التي تتناثر في برك المياه في
الزقاق الضيق ، الصوت ثابت ومتعمد .
(صوت، ليس صوت الغريب، يخترق العاصفة بدعوة منخفضة ومهددة)
- الصوت : جوليا ، توقفي ، لا يمكنك الركض إلى الأبد.
تتلوى الكلمات في ذهنها، وكل مقطع لفظي يحمل في طياته حقدًا.
لا تنظر إلى الوراء ، كل غريزة تصرخ بها لتستمر في الحركة ، تندفع
إلى زقاق وتنزلق قدماها على الخرسانة المبللة ، وتلقي مصابيح
الشوارع المتوهجة فوق رأسها بظلال غريبة بدت وكأنها تطاردها.
رغم أن محطة القطار ليست بعيدة إلا أن كل خطوة تشعرها وكأنها عمر كامل ،
تشعر بألم في عضلاتها وألم في رئتيها لكنها تواصل المضي قدمًا
ويتردد صدى صوت الغريب في ذهنها.
- صوت الغريب (في ذهنها) : أنتي لستي بأمان .
مع تزايد شدة المطر، تزداد عزمها ، فكل صوت رعد يشبه العد التنازلي؛
وكل ظل يشكل تهديدًا وهي واثقة من أنها لا تستطيع التوقف ،
أيًا كان هذا وأيًا كان الخطر الذي يلاحقها فإن الوقوف ساكنة يعني الموت
وجوليا ليست مستعدة للموت.